السوق

اصطلاح السوق يعنى المكان الذي يعرض به المتاح من السلع للبيع والشراء، (الجمع أسواق). وقد أضيف للكلمة أو صاف عدة حديثا- تحدد الوظيفة الخاصة التي يقوم بها السوق في حياتنا، فهناك على سبيل المثال سوق المال، السوق الحر، السوق السوداء، أسواق الجملة..إلخ. وهذه الدراسة تُعرف الثقافة التقليدية بأنها أسلوب الحياة الذي كان سائدًا في مصر حتى نهاية القرن الثامن عشر قبل مجيء محمد على. كان هدف محمد على وخلفائه تحديث مصر وترتب على هذا التحديث خلق ثقافتين متزامنتين؛ إحداهما الثقافة الرسمية التي تتبنى العلوم الحديثة وأسلوب الحياة العصرية الغربية، والثقافة الثانية تتسم بالحفاظ على الكثير من التقاليد التي كانت سائدة قبل القرن التاسع عشر وتقاوم التغير.

وهذا الكتاب المصور لا يتعرض لنظم الإنتاج والتوزيع ولكنه يحاول من خلال الصور الغوص في أعماق مَنْ في السوق ومحاولة استنباط بعض أنماط السلوك التي يتبعها المشترون والبائعون بالإضافة إلى العلاقات التي تربطهم ببعضهم البعض.

وعند مقارنه نظم التسويق في القرن الثامن عشر مع ما هو قائم اليوم في الأسواق التقليدية نجد أن هذه النظم تتغير بتغير الظروف السياسية الاقتصادية ومع ذلك فإن كثيراً من التقاليد الثقافية المرتبطة بالبيع والشراء تظل عصًّية على التغير.

ويعتمد هذا الكتاب أساساً على بعض ما تم تسجيله عن الأسواق المصرية التقليدية في الأرشيف القومي للمأثورات الشعبية مما قام بجمعه جامعو البيانات الذين تم تدريبهم على أساليب الجمع والرصد والتوثيق والتصوير قبل نزولهم إلى الميدان. وقد استخدم الباحثون المتخصصون هذه الصور كوثائق أرشيفية وكأداة لتوجيه جامعي البيانات إلى تمحيص بعض الظواهر الخاصة التي تضمنها.

وبصرف النظر عن قيمة هذه الصور التوثيقية فإنها تساعد دارسي المأثورات الشعبية والأنثروبولوجيين وتثرى أبحاثهم عن الجوانب الماديةTangible وغير المادية Intangibleللثقافة المصرية التقليدية، بالإضافة إلى صلاحية الصور للدراسات المقارنة. وقد تكون هذه الصور أيضا ذات فائدة لدراسة القطاع غير الرسمي من الاقتصاد. وأخيراً فإنها يمكن أن تثير اهتمام الباحثين الذين يسعون للتعرف على الثقافة المصرية.

عبر السنين، كان السوق في مصر مرتبطا بعامة الناس وقلما كانت الصفوة الاجتماعية تتردد عليه، سواء في المناطق الريفية أو الحضرية، فهؤلاء كانوا يرسلون خدمهم ليبتاعوا لهم أشياء محددة من السوق دون الحاجة لأن يذهبوا بأنفسهم. ويقام السوق عادةً في أماكن يتم اختيارها عشوائياً دون سند قانوني، قد يكون المكان ميداناً أو شارعاً أو فوق سكك حديدية غير مستخدمة، أو مكان عام مفتوح ويبرر مستخدمو هذه الأماكن العامة حقهم في استخدامها بأنها ملك للدولة... إذن فهي (أرض مالهاش صاحب). وبالرغم من أنها أرض حكومية إلا أن عملية الضبط الاجتماعي بها يتولاها نظام ضبط خاص غير رسمي. وهناك بعض مواقع تحددها الدولة لاستخدامها كسوق وفي هذه الحالة تؤجر هذه الأماكن لمدة محددة- فمثلا سوق المواشي في جزيرة شندويل بسوهاج يعتبر نموذجا لهذه النوعية من الأسواق، حيث يتم إيجار السوق من محافظة سوهاج بعد الاشتراك في مزاد يتيح حق الانتفاع بمساحة السوق لمدة ثلاث سنوات. وإيجار مثل هذه السوق يخول للفائز مطالبة العارضين بمبالغ مالية لعرض بضائعهم وفي المقابل عليه أن يحميهم ويحمى بضائعهم.

الأسواق التقليدية سواء كانت مرخّصة أو عشوائية تنمو تدريجيا عن طريق عدد قليل من البائعين الذين يتجمعون دون تخطيط مسبق ثم ينضم إليهم آخرون، وسرعان ما ينشأ سوق ثابت يكتسب أهمية في المجتمع ويخلق حوله عالماً اقتصاديا خاصا. وهذه الأسواق تخضع لنظام ضبط اجتماعي رسمي وأخر غير رسمي يتمثل في وجود أفراد يتولون مسئولية التنظيم والإدارة بالتعاون مع الشرطة، وهؤلاء لهم اليد العليا والسلطة على العارضين وتحديد أماكن عرض لكل منهم. وهؤلاء الأشخاص يتعاونون مع الشرطة ويعملون معها ويستدعونها عند الحاجة أما الأسواق العشوائية (وهى تشكل أغلبية الأسواق) فتتعرض لكثير من المضايقات من قبل الجهات الرسمية وقد تصادر بضائعها وعربات عرض البضائع ويتطلب هذا من البائع دفع الغرامات لاستردادها.

إن السوق التقليدي في الحقيقة ليس مجرد مكان يقصده عامة الناس للبيع والشراء فحسب، إنه مفهوم يتضمن إطارا وهيكلا اجتماعيا له أدوار وعلاقات وأنماط سلوك طبقاً لنظم ثقافية متفق عليها بين الجماعة.

إن تحديد أماكن العرض لكل بائع -على سبيل المثال- يخضع لشروط محددة لاستخدام وتنظيم هذا المكان العام من قبل السلطة غير الرسمية.

والأسواق المصرية تقدم بانوراما ممتازة للثقافة التقليدية الريفية والحضرية في مصر، وهذه الأسواق تلبي حاجات عامة الناس وأذواقهم، كما تقدم المواد المعروضة تنوعاً كبيراً من البضائع يستطيع الإنسان من خلالها الكشف عن جوانب متعددة مادية وغير مادية لثقافة هؤلاء الناس.

الأسواق التقليدية الريفية التي تُعقد عادة مرة كل أسبوع في يوم محدد ومكان معروف دائم تعد أحداثا اقتصادية مهمة. إنها أنشطة يوم واحد يبدأ مع الفجر وتنتهي عند مغيب الشمس أو ربما قبل ذلك. هذا النمط له أهمية خاصة لتجار المواشي، فالبائع والمشترى حريصان على مغادرة الشوق قبل حرارة الظهيرة واحتياج المواشي إلى الطعام، وينظم أهل القرى حياتهم اليومية في هذا اليوم لتتفق مع نظام السوق وغالبا ما يتبع الموظفون الرسميون نفس نظام أهل القرية إذ يُرتبّون مواعيد ذهابهم للعمل بعد انتهائهم من قضاء مشترواتهم، أما أهل القرية فإنهم لانشغالهم في السوق، نادرًا ما يترددون على الدواوين الحكومية في هذا اليوم. وفي المناطق الحضرية، تكون بعض هذه الأسواق دائمة، ولكن كثيراً من البائعين يأخذون ما تبقى من معروضاتهم أو منتجاتهم إلى منازلهم، لأنهم لا يستطيعون ضمان سلامتها إذا ما تركت في مكان عام. وفي اليوم التالي يعودون إلى المكان المحدد ذاته. ويمثل السوق إلى جانب ما يعكسه من أنماط سلوكية لعامة الناس- اقتصاداً مصغراً micro-economy للبلاد. وإن حجم الصفقات التي تتم تداولها مباشرة من المنتج إلى المستهلك، دون حاجة إلى المرور عبر القنوات الرسمية للعمليات التجارية. ومعظم السلع الأولية مثل القطن والأرز والقمح لم تعد تظهر في الأسواق ضمن المنتجات المعروضة للبيع في السوق التقليدي.

على أية حال، إن المنتجات الزراعية المتاحة الآن في السوق هي بشكل رئيسي الخضروات والفاكهة، وهذه المنتجات تتطلب استهلاكا سريعا مما يجعل المشتري في وضع اقتصادي أقوى من البائع. فالفلاح في معظم الأحوال مضطر غالبا لأن يبيع منتجات الزراعة التي تأتي من استثمار صناعي كبير فعادة ما تُصدر أو تباع في سوق الجملة. بعض الأسواق التقليدية الحضرية تحصل على سلعها من أسواق الجملة.

أما المنتجات غير الزراعية المتوفرة في الأسواق فهي أساساً منتجات لازمة للاستهلاك اليومي واستخدام عامة الناس، وهي في معظم الأحوال نتاج للحرف اليدوية مثل الأثاث البسيط والأدوات الزراعية والمنزلية... وغير ذلك من المنتجات اللازمة للحياة اليومية التي هي غاليًا نتاج القرية نفسها أو القرى والمدن المجاورة. والآن نجد منتجات من الشرق الأقصى تغزو الأسواق التقليدية.

هذا الكتاب المصور يتألف من أربعة فصول كل فصل من الفصول الثلاثة الأولى يتناول واحدًا من أنواع الأسواق التقليدية: السوق العام، السوق المتخصص، والسوق الفردي، أما الفصل الرابع فهو مخصص لبعض أنماط السلوك والعلاقات التي توضحها الصور.

كتاب السوق وهو كتاب مصور يوثق للأسواق الشعبية أعدته الأستاذة الدكتورة نوال المسيرى بالمشاركة مع الباحثين بالأرشيف ونشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب (2013).