حكاية أقدم أراجوز فى مصر

حكاية أقدم أراجوز فى مصر

الاهرام - بتاريخ 14/12/2018 - قسم في الموضوع - صفحة - بقلم مى إسماعيل

حكاية أقدم أراجوز فى مصر

مى إسماعيل
تصوير: أحمد شبيطة

 

 

بعد أن عاش الجميع الأيام الماضية انتصاراً جديداً لمصر وثقافتها بموافقة لجنة اليونسكو المنعقدة بجمهورية موريشيوس على قبول وتسجيل الملف المصرى «الأراجوز والدمى التقليدية المصرية» فى قائمة التراث الثقافى العالمى غير المادى، بات علينا البحث وراء ذلك البرفان الخشبى الصغير للتعرف على تفاصيل لم تحكى عنها دُمية الأراجوز من قبل؛ حكاية مصطفى عُثمان أقدم لاعب أراجوز فى مصر المعروف باسم «عم صابر المصرى» أو «شيخ لاعبى الأراجوز»، أحد لاعبى الأراجوز القلة فى مصر الذين بفضلهم مازال هذا الفن حياً.. فما هى الحكاية؟!

على أحد المقاعد المنتشرة فى أرجاء بيت السحيمى أمام المسرح المُخصص لعروض فرقة ومضة للأراجوز وخيال الظل، جلس شيخ لاعبى الأراجوز صاحب الـ79 عاما بجانب دميته الصغيرة بوجه مبتسم وملامح تحمل بين ثناياها مراحل وتجارب وعشق ليسرد لنا تفاصيل حكايته داخل عالم الأراجوز.

......................

بداية الحكاية واسم الشهرة:

بعد تنهيدة خاطفة أخذ العجوز يحدثنا أولاً عن سر اسم صابر المصرى؛ فبعد أن فقد عينه اليسرى نتيجة اصابته بحمى التيفود وعمره عام اطلقت عليه أمه اسم «صابر» لصبره على قضاء الله، أما لقب «المصرى» فقد اكتسبه من عمله مع الساحر فؤاد المصرى فى السيرك القومى على مدى 14 عاما فى الستينيات.

أما عن لقب «شيخ لاعبى الأراجوز» فهذا هو نتاج أكثر من 50 عاما قضاها داخل عالم الأراجوز؛ يُداعب عقول أطفال ويحتضن هموم شعب.

ثم أخذ العم صابر يسرد بداية معرفته بفن الأراجوز قائلاً: «عندما كنت صبيا تسلقت إحدى الاشجار لأشاهد عرض الاراجوز الذى كان يقدمه الفنان محمود شكوكو فى ملهى الكيت كات، انبهرت كثيراً بهذا الفن معتقداً أن الدمى التى أمامى اطفال تنطق وتتكلم، وبعد متابعتى تأكدت أنها عرائس خشبية فزاد شغفى بهذا الفن وقررت تعلمه، وبالفعل بدأت من الصفر تنقلت فى رحلة استغرقت عشر سنوات بين موالد مصر لأتعلم المهنة وصنع الامانة التى تصدر صوت الأراجوز المميز وحفظ النمر المختلفة على يد كبار لاعبى الاراجوز، بعدها بدأت الاحتراف فى شارع محمد على وشارع عماد الدين، قدمت العديد من حفلات المدارس وأعياد الميلاد واصبحت ضمن أشهر لاعبى الاراجوز فى مصر، حتى التقيت بعد ذلك فى عام 2000 الدكتور نبيل بهجت الاستاذ بكلية الآداب جامعة حلوان قسم علوم المسرح لأبدأ معه ومع أعضاء فرقة ومضة لعروض الأراجوز وخيال الظل مرحلة جديدة ونقلة نوعية فى حكاية الأراجوز المصرى».

مغامرات ولقاءات فى حياة الأراجوز:

ومن بين المغامرات واللقاءات التى عاشها وأثرت فى مسار حكايته حكى لنا العم صابر عن عملية الاحتيال التى تعرض لها ولم يتقاض أجره المُتفق عليه بعد أن قدم عرض الأراجوز بأحد الموالد فى أشمون جريس، مما أضطره للرجوع للقاهرة ماشياً على الأقدام يكتب أهم قرار فى حياته مع كل خطوة، وهو عدم نزول الموالد مرة أخرى. أما عن اللقاءات السارة التى ساهمت فى نسج تاريخه الفنى وتمسكه برحلته؛ فمنها لقاؤه مع شكوكو للمرة الثانية بأحد مقاهى شارع محمد على لكن هذه المرة ليستمع الفنان الكبير لصابر المصرى وهو يغنى ويؤدى بصوت الأراجوز «على سلم التروماى»، وقتها لقبه بشكوكو الثانى وأتاح له مجالاً للعمل فى الحفلات، والأهم من العمل اعتراف مثل هذا الفنان العظيم بموهبته جعلت صابر يذوب عشقاً داخل هذا العالم. وبعد مرور سنوات من الاحتراف وإصقال الموهبة جاء اللقاء الثانى مع الدكتور نبيل بهجت لتمتزج خبرة الموالد والحفلات بالدراسة العلمية لتدب الروح فى جسد العروسة الخشبية المصرية الأصل من جديد، لتحيا بشكلها التراثى داخل فرقة ومضة لعروض الأراجوز وخيال الظل التى أسسها بهجت عام 2003 وواصلت عروضها بشكل منتظم فى بيت السحيمى التابع لصندوق التنمية الثقافية منذ عام 2008؛ لتفتح أبوابها منذ اليوم الأول كمدرسة لنقل الخبرة للأجيال المتعاقبة، فكانت أولى فرق الدمى التى قدمت ورشاً تعليمية وعروضاً مختلفة داخل وخارج مصر بالعديد من البلاد العربية والأوروبية. ويقول عم صابر عن هذه المرحلة: «بعد مشوار طويل مع الأراجوز دام أكثر من 50 عاما، هناك فرق كبير بين العمل فى الموالد و داخل فرقة تابعة لوزارة الثقافة؛ الأراجوز فى الفرقة يركز على أبحاث تربوية والهوية النوعية والثقافية، فهو فى كل الأحوال يحمل رسالة ما يجب أن تصل إلى الجمهور أيا كان عمره وفى أى زمان ومكان، فليس الأراجوز فقط للتسلية والترفيه كما كان فى الموالد».

الجمهور أصل حكاية الأراجوز:

ومن حكايته خلف البرفان أخذنا العم صابر بكلماته لساحة الجمهور ليصف لنا حالة الحميمية والاتصال المباشر العجيب بينه وبين جمهوره قائلاً: «مسرح الأراجوز هو اصغر مسرح واكبر مسرح؛ اصغر من حيث المساحة واكبر من حيث الامكانيات، فبواسطة فنان واحد نرى الكثير من الشخصيات والنمر المختلفة. وهذا ما يميز مسرح الأراجوز عن مسارح العرائس الأخرى؛ هذا إلى جانب التفاعل المباشر، فالجمهور وتفاعله هو أصل حكاية الأراجوز. لقد منحنى الأراجوز وضحكات الصغار ومدح الكبار نعمة النظر من جديد؛ فطوال الوقت قلبى يراكم ويحيا بضحكاتكم وهذا يمنحنى المواصلة و استمرار الأبداع؛ حتى عندما نقدم عروضنا المختلفة خارج مصر رغم اختلاف اللغة والثقافة إلا أن الأراجوز المصرى خلق لغة جديدة من التواصل معتمدة على الارتجال والموهبة والحركة التعبيرية للدمية».

العروض وحالة العشق المتبادلة:

وعن أهم عرض لن ينساه على مدار حياته، تنهد العم صابر قائلاً: «كل عروض الأراجوز بالنسبة لى من البداية للنهاية أهم عرض، لأنها طلعت من قلبى لقلب جمهور الشارع، هناك دائماً حالة عشق متبادلة تمنح كل عرض مذاقا مختلفا. الأراجوزات اولادى، أتحدث إليها وأهتم بصيانتها وأشعر بأنها تتحدث إليّ و هى مبتسمه، كنت فى الماضى استأجر دولاباً فى احد مقاهى شارع محمد على لأضع فيه عرائسى، أما الان بعد أن منحتنى الفرقة الكثير من الفرص فى الظهور والسفر لبلاد كنت أسمع عنها فقط بات أولادى بين أحضانى فى كل وقت».

الأراجوز من الموالد لليونسكو:

ومن الموالد، للسيرك، للحفلات، لفرقة ومضة مر عم صابر المصرى أقدم لأعب أراجوز فى مصر برحلة طويلة داخل عالم مليء بالأحداث المختلفة؛ بدأت باعتقاد أنها أطفال صغيرة، ومرت بمراحل منحتها الإثارة والتشويق حتى أستحق العديد من الجوائز المهمة من مختلف بلاد العالم، أخرها جائزة أفضل راوى عربى فى مهرجان الشارقة للتراث العام الماضى، واليوم وصل ليرى رحلته تُكلل بتسجيل «الأراجوز والدمى التقليدية المصرية» فى قائمة التراث الثقافى العالمى غير المادى التى وصفها بكل فرحة قائلاً «هذا توثيق لأثر ودور وحكاية الأراجوز المصرى الطويلة التى ستستمر وتتوارثها الأجيال.. أشعر بفرحة لا توصف و كأن الأراجوز إنسان كان من الممكن أن يُدفن، لكنه عاش من جديد».

لم تنته الحكاية بعد ففى مصر مازال هناك أناس مثل عم صابر المصرى بفضلهم الفن التراثى الشعبى سيظل.

http://tempuri.org/tempuri.html